فصل: تفسير الآية رقم (147):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (143):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}
{وكذلك} إشارة إلى مفهوم الآية المتقدمة، أي كما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم، أو جعلنا قبلتكم أفضل القبل. {جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} أي خياراً، أو عدولاً مزكين بالعلم والعمل. وهو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من الجوانب، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط، كالجود بين الإسراف والبخل، والشجاعة بين التهور والجبن، ثم أطلق على المتصف بها، مستوياً فيه الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث كسائر الأسماء التي وصف بها، واستدل به على أن الإجماع حجة إذ لو كان فيما اتفقوا عليه باطل لانثلمت به عدالتهم {لّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} علة للجعل، أي لتعلموا بالتأمل فيما نصب لكم من الحجج، وأنزل عليكم من الكتاب أنه تعالى ما بخل على أحد وما ظلم، بل أوضح السبل وأرسل الرسل، فبلغوا ونصحوا. ولكن الذين كفروا حملهم الشقاء على اتباع الشهوات، والإِعراض عن الآيات، فتشهدون بذلك على معاصريكم وعلى الذين من قبلكم، أو بعدكم. روي: «أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالبهم الله ببينة التبليغ وهو أعلم بهم إقامة للحجة على المنكرين، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون، فتقول الأمم من أين عرفتم؟ فيقولون: علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته، فيشهد بعدالتهم» وهذه الشهادة وإن كانت لهم لكن لما كان الرسول عليه السلام كالرقيب المهيمن على أمته عدى بعلى، وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم يكون الرسول شهيداً عليهم. {وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَا} أي الجهة التي كنت عليها، وهي الكعبة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إليها بمكة، ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفاً لليهود. أو الصخرة لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينها» فالمخبر به على الأول الجعل الناسخ، وعلى الثاني المنسوخ. والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وما جعلنا قبلتك بيت المقدس.
{إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ} إلا لنمتحن به الناس ونعلم من يتبعك في الصلاة إليها، ممن يرتد عن دينك إلفاً لقبلة آبائه. أو لنعلم الآن من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، وما كان لعارض يزول بزواله. وعلى الأول معناه: ما رددناك إلى التي كنت عليها، إلا لنعلم الثابت على الإِسلام ممن ينكص على عقبيه لقلقه وضعف إيمانه. فإن قيل: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالماً. قلت: هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء، والمعنى ليتعلق علمنا به موجوداً.
وقيل: ليعلم رسوله والمؤمنون لكنه أسنده إلى نفسه لأنهم خواصه، أو لتميز الثابت من المتزلزل كقوله تعالى: {لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} فوضع العلم موضع التمييز المسبب عنه، ويشهد له قراءة ليعلم على البناء للمفعول، والعلم إما بمعنى المعرفة، أو معلق لما في مَنْ من معنى الاستفهام، أو مفعوله الثاني ممن ينقلب، أي لنعلم من يتبع الرسول متميزاً ممن ينقلب. {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً} إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفاصلة. وقال الكوفيون هي النافية واللام بمعنى إلا. والضمير لما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَا} من الجعلة، أو الردة، أو التولية، أو التحويلة، أو القبلة. وقرئ لكبيرةٌ بالرفع فتكون كان زائدة {إِلاَّ على الَّذِينَ هُدَى الله} إلى حكمة الأحكام الثابتين على الإيمان والاتباع {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم} أي ثباتكم على الإيمان. وقيل: إيمانكم بالقبلة المنسوخة، أو صلاتكم إليها لما روي: أنه عليه السلام لما وجه إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات يا رسول الله قبل التحويل من إخواننا فنزلت {إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فلا يضيع أجورهم ولا يدع صلاحهم، ولعله قدم الرؤوف وهو أبلغ محافظة على الفواصل وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص لرؤوف بالمد، والباقون بالقصر.

.تفسير الآية رقم (144):

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
{قَدْ نرى} ربما نرى {تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السماء} تردد وجهك في جهة السماء تطلعاً للوحي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع في روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة، لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وأقدم القبلتين وأدعى للعرب إلى الإِيمان، ولمخالفة اليهود، وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل {فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً} فلنمكننك من استقبالها من قولك: وليته كذا، إذا صيرته والياً له، أو فلنجعلنك تلي جهتها {تَرْضَاهَا} تحبها وتتشوق إليها، لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله وحكمته. {فَوَلّ وَجْهَكَ} اصرف وجهك. {شَطْرَ المسجد الحرام} نحوه. وقيل: الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء إذا انفصل، ودار شطور: أي منفصلة عن الدور، ثم استعمل لجانبه، وإن لم ينفصل كالقطر، والحرام المحرم أي محرم فيه القتال، أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوه، وإنما ذكر المسجد دون الكعبة لأنه عليه الصلاة والسلام كان في المدينة، والبعيد يكفيه مراعاة الجهة، فإن استقبال عينها حرج عليه بخلاف القريب. روي: أنه عليه الصلاة والسلام قدم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم وجه إلى الكعبة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين. وقد صلى بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب، وتبادل الرجال والنساء صفوفهم، فسمي المسجد مسجد القبلتين. {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} خص الرسول بالخطاب تعظيماً له وإيجاباً لرغبته، ثم عمم تصريحاً بعموم الحكم وتأكيداً لأمر القبلة وتحضيضاً للأمة على المتابعة. {وَإِنَّ الذين أُوتُواْ الكتاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبّهِمْ} جملة لعلمهم بأن عادته تعالى تخصيص كل شريعة بقبلة، وتفصيلاً لتضمن كتبهم أنه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين، والضمير للتحويل أو التوجه {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وعد ووعيد للفريقين. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالياء.

.تفسير الآية رقم (145):

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذين أُوتُواْ الكتاب بِكُلّ ءايَةٍ} برهان وحجة على أن الكعبة قبلة، واللام موطئة للقسم {مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} جواب للقسم المضمر، والقسم وجوابه ساد مسد جواب الشرط، والمعنى ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها بالحجة، وإنما خالفوك مكابرة وعناداً. {وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} قطع لأطماعهم، فإنهم قالوا: لو ثبتَ على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره، تغريراً له وطَمعاً في رجوعه، وقبلتهم وإن تعددت لكنها متحدة بالبطلان ومخالفة الحق. {وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} فإن اليهود تستقبل الصخرة، والنصارى مطلع الشمس. لا يرجى توافقهم كما لا يرجى موافقتهم لك، لتصلب كل حزب فيما هو فيه {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} على سبيل الفرض والتقدير، أي: ولئن اتبعتهم مثلاً بعدما بان لك الحق وجاءك فيه الوحي {إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظالمين} وأكد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه: أحدها: الإِتيان باللام الموطئة للقسم. ثانيها: القسم المضمر. ثالثها: حرف التحقيق وهو أن. رابعها: تركيبه من جملة فعلية وجملة اسمية. وخامسها: الإِتيان باللام في الخبر. وسادسها: جعله من {الظالمين}، ولم يقل إنك ظالم لأن في الاندراج معهم إيهاماً بحصول أنواع الظلم. وسابعها: التقييد بمجيء العلم تعظيماً للحق المعلوم، وتحريضاً على اقتفائه وتحذيراً عن متابعة الهوى، واستفظاعاً لصدور الذنب عن الأنبياء.

.تفسير الآية رقم (146):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}
{الذين ءاتيناهم الكتاب} يعني علماءهم {يَعْرِفُونَهُ} الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه. وقيل للعلم، أو القرآن، أو التحويل {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} يشهد للأول: أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم. عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سأل عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أعلم به مني بابني قال: ولم، قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي فأما ولدي فلعل والدته قد خانت. {وَإِنَّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن.

.تفسير الآية رقم (147):

{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}
{الحق مِن رَّبّكَ} كلام مستأنف، والحق إما مبتدأ خبره من ربك واللام للعهد، والإشارة إلى ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الحق الذي يكتمونه، أو للجنس. والمعنى أن {الحق} ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب، وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو {الحق}. ومن ربك حال، أو خبر بعد خبر. وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول، أو مفعول {يَعْلَمُونَ} {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} الشاكين في أنه من ربك، أو في كتمانهم الحق عالمين به، وليس المراد به نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه، لأنه غير متوقع منه وليس بقصد واختيار، بل إما تحقيق الأمر وإنه بحيث لا يشك فيه ناظر، أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ.

.تفسير الآية رقم (148):

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}
{وَلِكُلّ وِجْهَةٌ} ولكل أمة قبلة، أو لكل قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة، والتنوين بدل الإضافة {هُوَ مُوَلّيهَا} أحد المفعولين محذوف، أي هو موليها وجهه، أو الله تعالى موليها إياه. وقرئ: {وَلِكُلّ وِجْهَةٍ} بالإِضافة، والمعنى وكل وجهة الله موليها أهلها، واللام مزيدة للتأكيد جبراً لضعف العامل. وقرأ ابن عامر: {مولاها} أي هو مولى تلك الجهة أي قد وليها {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} من أمر القبلة وغيره مما ينال به سعادة الدارين، أو الفاضلات من الجهات وهي المسامتة للكعبة {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ الله جَمِيعًا} أي: في أي موضع تكونوا من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومفترقها، يحشركم الله إلى المحشر للجزاء، أو أينما تكونوا من أعماق الأرض وقلل الجبال، يقبض أرواحكم، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة، يأت بكم الله جميعاً ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة. {إِنَّ الله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ} فيقدر على الإماتة والإِحياء والجمع.

.تفسير الآية رقم (149):

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)}
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} ومن أي مكان خرجت للسفر {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} إذا صليت {وإَِنَّهُ} وإن هذا الأمر {لَلْحَقُّ مِن رَّبّكَ وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وقرأ أبو عمرو بالياء والباقون بالتاء.

.تفسير الآية رقم (150):

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)}
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام وَحَيثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} كرر هذا الحكم لتعدد علله، فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل. تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإِلهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميز بها. ودفع حجج المخالفين على ما نبينه. وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريباً وتقريراً، مع أن القبلة لها شأن. والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى. {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} علة لقوله: {فَوَلُّواْ}، والمعنى أن التولية عن الصخرة إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة، وأن محمداً يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا. والمشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته {إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} استثناء من الناس، أي لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا المعاندين منهم بأَنهم يقولون، ما تحول إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين قومه وحباً لبلده، أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم. وسمى هذه حجة كقوله تعالى: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ} لأنهم يسوقونها مساقها. وقيل الحجة بمعنى الاحتجاج. وقيل الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأساً كقوله:
وَلاَ عَيْبَ فِيهمْ غَيْرَ أَنَّ سُيوفَهُم ** بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ

للعلم بأن الظالم لا حجة له، وقرئ: {إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} على أنه استئناف بحرف التنبيه. {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} فلا تخافوهم، فإن مَطَاعِنِهم لا تضركم. {واخشونى} فلا تخالفوا ما أمرتكم به. {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} علة محذوف أي وأمرتكم لإِتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتدائكم، أو عطف على علة مقدرة مثل: واخشوني لأحفظكم منهم ولأُتم نعمتي عليكم، أو لئلا يكون وفي الحديث: «تمام النعمة دخول الجنة». وعن علي رضي الله تعالى عنه: «تمام النعمة الموت على الإِسلام».